هل يقرأ فيسبوك وجوجل أفكارنا ويتجسسون علينا؟

هل تذكر ذلك الإعلان على فيسبوك عن عصير الجوافة الذي ظهر بعد أن تحركت بداخلك رغبة في شربه؟ أو ذلك الفيديو الذي ظهر أثناء تصفحك ليوتيوب يشرح طريقة إعداد وجبة صحية بدون معلم، وكنت قبلها بدقائق تنظر إلى “كرشك” بأسى؟

إن لم يحدث لك ذلك، فقد حدث لي، ولآخرين!

تساءلنا بخوف مغلف بالسخرية:

بعد أن تجسس علينا فيسبوك وجوجل من خلال ميكروفونات هواتفنا الذكية، هل أصبحوا يقرؤون أفكارنا أيضًا؟!

شغلني الأمر كثيرًا لكن شغلتني الحياة أكثر ونسيت الأمر برمته، حتى جاء عصر نماذج الذكاء الاصطناعي التي تبحث بالنيابة عنك وتأتي لك بأسرار العالم في أقل من دقيقة، فاستعنت بأحدها ورميت حجرًا في المياه الراكدة وسألته: هل الادعاء بأن مواقع التواصل الاجتماعي تقرأ الأفكار.. حقيقي؟!

الإجابة تكمن في كلمتين: انحيازات، وبيانات.

الانحيازات النفسية المعرفية Cognitive Biases

هل سمعت من قبل عن ظاهرة “باودر-ماينهوف” (Baader-Meinhof phenomenon) أو “وهم التكرار”؟

عندما تبدأ في التفكير في شراء سيارة جديدة، فجأة تجد نفسك تراها في كل شئ، بجوارك في الطريق، وفي ساحة الانتظار أمام منزلك، وبجوار مقر عملك، حتى الإعلانات على الطريق الدائري وقنوات التليفزيون عن نفس السيارة.. هذه هي ظاهرة باودر-ماينهوف.

وتتلخص في أن السيارة كانت موجودة من قبل بكل تأكيد، لكن زيادة وعيك بها “نورت لمبة” بداخل عقلك، فأصبح عقلك ينتبه إلى وجودها أكثر من غيرها، وأكثر من ذي قبل، وكأنه يبحث عنها.

تعمل الظاهرة بناء على آليتين:

  • الانتباه الانتقائي Selective Attention
  • الانحياز التأكيدي Confirmation Bias

الانتباه الانتقائي ببساطة هو فلتر يعمل به عقلك، فيختار عنصر ما من البيئة المحيطة لتركز عليه، واعتبار بقية العناصر “مُشتتات”، فلا ترى سواه.

أما الانحياز التأكيدي، هو أحد أشهر الانحيازات العرفية التي تدفعك إلى التفكير بشكل غير منطقي، ففي الانحياز التأكيدي أنت تميل إلى رؤية كل ما يدعم وجهة نظرك الحالية، وكل ما يشغل تفكيرك في هذا الوقت..

لذلك.. عندما تفكر في عصير الجوافة، عقلك يركز على عصير الجوافة، وعندما تتصفح فيسبوك وتمر أمامك 5 منشورات، لا تتوقف إلا أمام أول عصير جوافة يقابلك، ثم تبدأ في التفكير بأن هذا دليل جديد على أن الجوافة تتجسس عليك، أقصد فيسبوك يتجسس عليك!

شبكة الإنترنت تعج بالمحتوى بكل أشكاله، مليارات البشر وملايين الأفكار والمشاعر والآراء تتدفق، تمر أمامنا يوميًا عشرات بل مئات الإعلانات ومقاطع الفيديو، لكن اتساقًا مع “ظاهرة باودر-ماينهوف” نتوقف أكثر عند تلك المتعلقة بما كنا نفكر فيه منذ دقائق، فنظن أنهم يتنصتون علينا.

لم تقتنع بالقدر الكافي؟

تعال لنتعرف على التفسير الآخر، وهو التفسير الأقوى والأكثر اقناعًا من وجهة نظري..

تتبع البيانات المتقدم والتنبؤ الخوارزمي – Advanced Data Tracking & Algorithmic Prediction

ببساطة واختصار، فيسبوك وجوجل ويوتيوب وغيرهم يجمعون ملايين البيانات عن البشر، بداية بعدد زياراتك لموقع أو مشاهداتك لفيديو، مرورًا بموقعك الجغرافي وتفضيلاتك وأصدقائك وعائلتك وعملك، وحتى حالتك الصحية.

كل هذه البيانات تُخزّن، ثم تُحلل عن طريق الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ونتيجة لهذا التحليل تعرف تلك المنصات بنسبة كبيرة ما المحتوى المناسب لك في هذه اللحظة، وتعرضه أمامك، ثم يأتي دور الانحيازات المعرفية والسلوكية فيركز عقلك أكثر وأكثر على محتوى معين دون غيره.

ما سبق ليست فقط تفسيرات لظاهرة “اطّلاع فيسبوك وغيره على ما نفكر فيه”، لكنها أيضًا تفسيرات لنظرية أنهم يتنصتون علينا عن طريق هواتفنا، أو عن طريق شريحة زرعوها في أدمغتنا عن طريق لقاحات فيروس كورونا!

نعم، ليس معرفة ما نفكر فيها فقط، بل حتى نظرية أننا عندما نتحدث مع أصدقائنا عن روعة عصير الجوافة بالحليب، يستمعون للمحادثة، وبناء على ذلك يظهر لنا محتوى على فيسبوك عن عصير الجوافة، هي نظرية لا أساس قوي لها.

فإلى جانب النفي القاطع من ميتا وجوجل للاتهام بأنهم يتنصتون على محادثات المستخدمين، فقد أجريت أبحاث وتجارب أكدت أن هذه النظرية لا أساس لها، مثل التجربة التي أجرتها شركة “وانديرا” المتخصصة في الأمن السيبراني، عام 2019.

وضع الباحثون هواتف آيفون وسامسونج في غرفتين: غرفة صوتية تعرض إعلانات طعام الحيوانات الأليفة بشكل متكرر لمدة 30 دقيقة يوميًا لثلاثة أيام، وغرفة صامتة.

ثبتوا تطبيقات فيسبوك وإنستجرام وجوجل كروم وسنابشات ويتيويب وأمازون على الهواتف، مع منح جميع الأذونات التي تسمح لتلك التطبيقات بمعرفة الموقع الجغرافي واستخدام الكاميرا والميكروفون وغيرها.ولم تظهر أي إعلانات ذات صلة بطعام الحيوانات الأليفة، ولم يكن هناك ارتفاع في استهلاك البيانات أو البطارية يشير إلى تسجيل المحادثات.

لذا، وكما يقول المتخصصون في أمن المعلومات، أن المرعب ليس أن تتجسس تلك المواقع على محادثاتنا، لكن المرعب هو كم البيانات التي يمتلكونها عنا!

الخلاصة

عندما تفكر في شئ، أو تتحدث عن شئ، ثم يظهر لك على فيسبوك محتوى عن نفس الشئ، فالسبب هو أن فيسبوك يمتلك معلومات عنك وعن كل من تعرفهم، يحللها بتقنيات متطورة مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، يستنتج أنك قد تهتم بهذا المحتوى، يعرضه لك، تشاهده، عقلك يستقبله، وبسبب طرق التفكير غير المنطقية والانحيازات المعرفية يميل لملاحظة ذلك المحتوى أكثر من غيره.

وأخيرًا ، إليك أمثلة على ما يحدث..

تجلس مع صديق لك، ويحدثك عن محل عصير جديد اسمها “ودّع العطش”، بعد دقائق تحيي صديقك وترحل، تتصفح فيسبوك، ويفاجئك إعلان لمحل “ودع عطشك” بالتحديد!

ما الذي حدث؟

ربما زار أو بحث صديقك عن المحل قبل لقائكما (معلومة عن صديقك يمتلكها فيسبوك)​

تتبع فيسبوك موقعك الجغرافي وعلم أنك كنت في نفس المكان مع صديقك (فيسبوك يمتلك معلومة أن هذا الشخص صديقك، ويمتلك معلومة موقعك الجغرافي)​

الخوارزميات وتقنيات فيسبوك المتطورة تربط بين تلك المعلومات واهتماماتكما المشتركة وتستنتج أنك قد تهتم بما يهتم به​

ربما أيضًا قد زار أحد أصدقائك الآخرين ذلك المحل مؤخرًا، وتقينات فيسبوك ربطت بينكم

مثال آخر:

كنت مع زملاء العمل وناقشتم فكرة السفر إلى دهب. أحد الزملاء بحث عن وسائل انتقال أو فنادق، وفتح مواقع مختصة بالسفر أثناء الجلسة. بعد ساعات، يظهر لك إعلان عرض خاص لرحلات دهب على فيسبوك أو جوجل.

كيف يحدث هذا؟

الخوارزميات تعرف أنكم كنتم في نفس الموقع الجغرافي في نفس الوقت

إذا كنت على شبكة الواي فاي نفسها أو متصل بوسائل تواصل مع أحد الزملاء الذي أجرى بحثًا أو تفاعل مع محتوى مرتبط بدهب، قد يتم ربط اهتماماتكم

يتحفز نظام الإعلانات لعرض عروض متعلقة بالسفر لدهب بناءً على البيانات المجمعة من الدائرة الاجتماعية والمواقع الجغرافية المشتركة وتوقيت المحادثة​

باختصار ، التفسير الأبرز هو امتلاك فيسبوك وغيره لبيانات مهولة عنا. لا أمتلك أن أخبرك أن لا تفزع من ذلك، وكذلك من حقك أن تفزع من الأمر، لكن الأهم أن تكون الآن أكثر وعيًا بما يحدث، أتمنى ذلك.

Scroll to Top